مع التطورات المتسارعة في الذكاء الاصطناعي، لم يعد إبرام العقود القانونية مقتصرًا على البشر فحسب، بل أصبحت الخوارزميات والأنظمة الذكية طرفًا فاعلًا في تنفيذ التصرفات القانونية. وانطلاقًا من هذا الواقع الجديد، تدخل المشرّع القطري لتنظيم عقود التعامل مع الذكاء الاصطناعي، محددًا أُطر المسؤولية القانونية والضمانات اللازمة لحماية حقوق الأطراف المتعاقدة.
هذا المقال يستعرض بوضوح العلاقة بين الذكاء الاصطناعي والقانون في قطر، وأبرز القواعد التي تنظّم المعاملات الإلكترونية وحماية المستهلك الرقمي.

ما المقصود بالذكاء الاصطناعي؟
يشير الذكاء الاصطناعي (AI) إلى قدرة الأنظمة الحاسوبية أو الآلات على محاكاة السلوك البشري الذكي من خلال:
- التفكير المنطقي.
- اتخاذ القرارات.
- تحليل البيانات.
- استخدام اللغة الطبيعية.
ويتم استخدام الذكاء الاصطناعي اليوم في مجالات متعددة منها إبرام العقود الإلكترونية، تحليل البيانات القانونية، تقديم الاستشارات الذكية، والتنفيذ القضائي الآلي.
عقود الذكاء الاصطناعي في القانون القطري
الأساس الذي ينظم العقود الذكية والتعاملات الرقمية هو قانون المعاملات والتجارة الإلكترونية القطري الصادر بالمرسوم بقانون رقم (16) لسنة 2010. والذي ينص على أن استخدام الأنظمة الذكية أو البرمجيات الآلية في التعاقد يُعتبر “معاملة إلكترونية” تُسند إليها القوة القانونية ذاتها التي تتمتع بها العقود التقليدية.
مما يعني أن أي عقد إلكتروني يتم إبرامه عبر الذكاء الاصطناعي صحيحًا وملزمًا للأطراف، طالما توافرت فيه النية التعاقدية والأركان القانونية للعقد.
المسؤولية القانونية في تلك العقود
تعريف المسؤولية
تعني المسؤولية القانونية التزام الشخص أو النظام الذكي بالنيابة عنه بتعويض الضرر الناتج عن الإخلال بالعقد أو إساءة استخدام التقنية. وهي إحدى الركائز الأساسية التي تنظم العقود الذكية والتجارة الإلكترونية في قطر.
أنواع المسؤولية
-
مدنية: تتعلق بتعويض الأضرار الناتجة عن خطأ في تنفيذ بند تعاقدي بواسطة النظام الذكي.
-
جنائية: تنشأ عند ارتكاب جريمة إلكترونية أو احتيال، وفقًا لأحكام القانون رقم (14) لسنة 2014.
-
إدارية: تشمل العقوبات التنظيمية مثل إلغاء الترخيص أو وقف الخدمة الرقمية.
مثال تطبيقي
إذا أدخل المستخدم بيانات خاطئة في عقد إلكتروني ولم يكن لديه فرصة لتصحيحها، يحق له سحب الجزء الخاطئ من الرسالة الإلكترونية. وذلك استنادًا إلى المادة (19) من قانون المعاملات الإلكترونية القطري.
الضمان القانوني وحماية المستهلك الرقمي
التزامات مقدم الخدمة
لحماية المستهلك الرقمي، يلتزم مزودو الخدمات الرقمية في قطر بـ:
- تقديم معلومات واضحة وميسّرة عن الخدمة.
- توضيح هوية مقدم الخدمة وبيانات الترخيص المهني.
- الالتزام بقانون حماية المستهلك رقم (8) لسنة 2008.
اشتراطات الاتصالات التجارية الإلكترونية
ينص قانون التجارة الإلكترونية القطري على ضرورة:
- الإفصاح عن الطبيعة التجارية للرسالة.
- بيان الجهة المرسلة بوضوح.
- الالتزام بقواعد العروض الترويجية والمسابقات (المادة 53).
التنظيم الحكومي لعقود الذكاء الاصطناعي في قطر
في عام 2021، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم (10) بإنشاء لجنة الذكاء الاصطناعي التابعة لوزارة المواصلات والاتصالات، لتتولى الآتي:
- تنفيذ استراتيجية قطر للذكاء الاصطناعي.
- مراجعة البرامج والمبادرات الحكومية المتعلقة بالتقنيات الذكية.
- وضع أُطر تشريعية لتنظيم الذكاء الاصطناعي والقانون بما يضمن التوازن بين الابتكار والمسؤولية.
خلاصة قانونية
في ضوء ما سبق، ينظّم القانون القطري عقود التعامل مع الذكاء الاصطناعي من خلال:
- منح المعاملات الإلكترونية القوة القانونية ذاتها للعقود التقليدية.
- تحديد أنواع المسؤولية القانونية (مدنية – جنائية – إدارية) عند الإخلال.
- فرض ضمانات قانونية لحماية المستهلك الرقمي.
- إنشاء جهة حكومية مختصة لمتابعة وتنظيم تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبالتالي، يشكّل هذا الإطار القانوني ضمانة قوية للشفافية والعدالة في المعاملات الذكية داخل دولة قطر، مما يعزز الثقة في التجارة الإلكترونية ويضمن تحقيق التوازن بين الابتكار والمسؤولية.





